الأربعاء، 19 مارس 2008

وصيــــــــــــــــة وداع

أيا نصف روحي الباقية في الحياة..
صاحبي الحبيب...
بما أنك تقرأ كلماتي هذه الآن فإن روحي حتماً قد فارقت جسدها..
وطارت في الأفق بعيدا.. لتسكن عالم آخراً لا ترومُ له وصولا ولا تعرفُ له طريقا...
وأصبح جسدي مجرد خشبة بالية...ملفوفة بقماش أبيض وُسدت اللحد ورُدمت بالتراب..
توقف قلبي يا صاحبي..أتصدق هذا؟!!
قلبي الذي كان ينبض لك حبا وشوقا...
توقف وأسكتني..وأنهى دوري على مسرح هذه الحياة..وأُغلقَ الستار على قصتنا الحزينة...
وذبلت ابتسامتي.. وضاعت ملامح وجهي...
وجهي الذي كان يبرق لك دوما نورا وسعادة..
أكنت تتخيل بأن هذا كان يمكن أن يحدث يوما ؟!
أكنت تتخيل بأنا كنا سنفترق يوما؟! وبأنك ستكمل بقية الفيلم ببطولة منفردة؟!
أكنت تتخيل أن دنياك بأيامها ولياليها.. بلحظاتها وساعاتها.. بحلوها ومرها ستقضيها من دوني؟!
سامحني..فقد رحلتُ فجأة بغير وداع.. والأدهى أني لن أعود أبدا..
لست خائنا..لم أخدعك..لم أخلف وعدي معك بالحب والوفاء..
لم أكن أنا من اختار هذه النهاية لأجمل حكاية.. جمعتني بك..
فالأمر ليس باختياري..فقد صدر حكم الموت..
والموت كما تعلم لا يعترف بالحب..لا يراعي الأماني والأحلام..لا يهتم بالمستقبل وجمع الشهادات..
لا يسأل عن أمٌ ثكلى ولا أرملة حبلى ولا صاحب مفجوع...
فهذا هو الموت...مر بجوارك فكنتَ له شاهد عيان...وكان لك خير واعظ...
صاحبي...
قد كتبت لك هذه الكلمات في ساعة من ساعات عمري الخاوية..
يوم مرت بي فكرة مجنونة.. بأني قد أرحل يوما وأتركك مذهولا...
لا تستطيع أن ترشُفَ من كأس الحقيقة خبر موتي جرعة واحدة... فيغص بها حلقك وتختنق...
والأدهى أني لن أكون هناك لأضرب على ظهرك وأسعفك...كما كنت أفعل دائما..
فتهلك بعدي مصروعا... بصدمة موتي مقتولا....
بل سأكون أنا سبب ذلك الحزن...وما كنت لأسامح نفسي إن فعلت بك هذا...
لذا عش حياتك بعدي سعيدا هنيئا كما عهدتك...فإنك تعذبني بحزنك مرتين...
وأنا أعلم أنك مؤمن قوي..ومسلم متحصن..لن تسمح لحبل اليأس أن يطوق عنقك و يهزمك...
بل ستكمل طريقا بدأناه معا...لأجل هذه الأمة وهذا الدين...
صاحبي قد كنت لي دائما نصف الروح وصاحبها.. وأنت تعلم أني أحببتك ..ما لم أحب أحدا بقدرك..
حتى آخر أيام حياتي....
لذا أرجوك...أن تغفر لي زلاتي معك وأخطائي...وتستر عيوبي وعثراتي..
وتسامحني إن أحزنتك يوما أو ظلمتك.. فلم أوفيتك حقك..
فلم يكن ذلك زهدا فيك ولا رغبة في إحزان قلبك..ولكني إنسانٌ يخطئ وينسى..
واعذرني أرجوك...
إن لم أجبك الآن إن دعوتني..أو أُعنك إن طلبتني..أو سالت دموعك فلم أواسيها..
أو طارت روحك فرحا فلم أشاطرها.. فأنت تعلم أن هذا من أحب ما يكون لي..
ولكن فرقنا هادم اللذات..و تجرعت من كأس المنية قبلك...
وما هي إلا أيام قلائل تقضيها بين قوت يوم وصلاة وذكر..ثم تلحق بي...
صاحبي...
تذكر والسنون تمضي عندما تضحك وتؤانس وتصاحب..حزني ووحدتي وغربتي..
وتذكر يوم تعيش الطاعات وتسابق في الخيرات..ضياع فرصتي..لتدعو لي..
فكلما اشتقت إلي..ادع لي من قلبك..فيصلني نورٌ إلى قبري..فأعلم أنه منك..
ادع الله لي دائما أرجوك.. خصوصا في هذه الأيام الأولى.. فالقبر مظلم..والوحدة مفزعة..
فبعد أيام ستجف دموع الأهل والأصحاب..
ثم ستغيب عن مخيلاتهم صورتي..وبعدها سيُنسى حتى اسمي..
لكن أنت..أعلم أنك ستذكرني..وكيف لا تفعل؟!
أما كنتَ لا تأنس إلا بي ولا تصارح إلا قلبي.؟ أما فديتني وفديتك دوما بالغالي والنفيس..؟ أما كنت تحبني أخي وتخاف علي حتى من نفسي..؟ فإني اليوم أشد حاجة إليك منذ ذي قبل...
فتذكرني عندما تقنت بالليل لله قائما فتدعو لموتى المسلمين وسكان القبور..
فقد أصبحت منهم!!!
وتصدق علي أرجوك ما أوسع الله عليك ولو بالدراهم القليلة..
... أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه..
ففي القلب شوق حتى يلقاك
صاحبك
2004 م

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

مؤلمة هي كلماتكِ أخية

اسمحيلي بنقلها

moaad يقول...

..مؤثرة جدا ..
وهذه صحبة الخير ، والأخوة في الله تبقى حتى بعد الممات ..
ويوم القيامة ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )
أسأل الله أن يرزقنا برفقة الخير.. الذين قال عنهم الإمام الشافعي :
أحب الصالحين ولست منهم ... لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ... وإن كنا سويا في البضاعة ..

باركَ الله فيكم ، ونفع بقلمكم .